سورية بعيون مغترب
أحببتهم .
لن تشعر بما أشعر به ولن تحس بالنار التي أوقدها الشوق بداخلي لكل من أحب وصار
البعد وطول الليالي حطبً يزيد من إشتعالها.
لن تشعر برغبةٍ لأ ن تتغزل بأجمل شيئ على الوجود كما أشعر بهذه الرغبة أنا أريد أن أقول
لك سوريا مهما إبتعدت سوريا مهما تغربت سوريا، سوريا لم أحب هذا البلد إلا عندما فقتها وأكررها سوريا ،
سورية هي تلك الرغبة التي تعتريك لتناول "كاسة شاي" وأنت تأكل الجبنة البيضاء البلدية ، وذاك الخمول
الذي يدفعك بعد وجبة الغداء الدسمة إلى قيلولة غالية ، هي ذاك المزيج
الفوضوي الذي يجري في شوارع المدينة ، آلاف من السيارات والبشر المختلطة
وفق منظومة معقدة لا تستطيع أن تدركها أو تفهم آلية عملها ولكنها في النهاية تعمل ، تمتزج ، تتحرك ، وتنفصل سورية بعيون مغترب
وتتلاشى الحركة في الشوارع لتبدأ الحياة في المنازل التي تحب السهر ، وتبقى البيوت المتراكمة في حاراتنا مضاءةً حتى يطفئها الفجر
الذي يعلنه صوت الآذان.سورية هي فيروز الصباح و"سيرة الحب " في ليلٍ سوريٍ طويل أو موال شجي عتيق على أنغام شعبية سورية ...
نشرة الأخبار بين عشق الرجال وكره النساء ، هي السياسة التي ندمنها دون أن نتعاطاها هي خوف صبية عائدة إلى البيت في مساء متأخر ،
هي حب مراهق لبنت الجيران ،هي وجوه الناس التي ألفناها وقصص البيوت التي تناقلناها ،هي النميمة في صبحية "نسوان" و"قعدة "
رجالية في صالة أحد الأصدقاء بين طاولة البليار وعبق الدخان .سورية هي جلسة حول " بحرة "في دار قديم تجمعنا قرقعة أركيلة
عشقناها وهي ترسم تنهيدة ألم في الهواء ، هي عدوى الضحك على طرفة " بايخة " تنتشر بين الأصحاب وتتمادى لتصبح قهقهة عالية
سورية هي محجبة وسافرة تعيش في بيت، وطبخة من أيد أمي أو أمك على واحد مائدة أحدنا دعونا إليها كل الأصدقاء ،
مسيحي ومسلم الكل يحمدون الله على النعمة ويدعون أن يحفظها من الزوال .سورية هي نزعة طفل للتسرب إلى الشارع واللعب مع أولاد الجيران ،
هي رائحة الطبيخ تفوح عند باب كل دار .سورية هي الحارة والأصحاب ، المدرسة والطريق الذي " تسكعناه " مئات المرات ، هي الطاولة
التي درسنا عليها ، هي همومنا الصغيرة التي كبرت وأحلامنا الكبيرة التي تضاءلت هي الذكرى التي تجمعنا في الماضي والأمل بلقاء
في المستقبل قد لا يكون .سورية هي الحب القديم ، هي القلب الذي خفق في صدورنا أول مرة ، هي الغيرة التي إشتعلت على فتات تضحك
لرفيق لتترك في النفس حرقةً لذيذة ، هي حلاوة اللقاء الذي كان وربما لن يتكرر ، هي الحياة التي إنتزعناها من عمر مضى
وإحتفظنا بها مجرد ذكريات ،لا تعبأ لا بالمكان ولا بالزمان أن أقوله إلى كل هي ضحك ، بكاء ، مئات الكلمات ، أحاديث وصور تبعثرت في ذاكرتنا
يستحضرها الحنين ويحفظها الشوق ونحن ...نعرف بأنه لا أمل لنا في اللقاء ،سورية هي أيامٌ عشناها في وطنٍ كنا نخاف أن يضيع ،
سورية هي الحبيب الذي هجرناه ولم نستطع أن نعشق سواه ، سورية هي الماضي الذي منه ولدنا وعلينا أن نحرص لكي
يكون المستقبل الذي يحيى أو لادنا فيه سورية كلمة عندما نسمعها تشتعل قلوبنا بالمحبة وتدمع عيوننا الحائرة فرحاً وحزناً ،
وتتلعثم ألسنتنا مثل مراهقٍ يريد أن يبوح لفتاته بكلمة أحبك، هذا كل ما أريد من أراد أن يغترب[b]